عندما وقفت محكمة تيرس زمور في صف الحق:
في زمن قل فيه الإنصاف، وازدحمت الطرق المؤدية إلى المكاتب أكثر من الطرق المؤدية إلى العدالة، قالت محكمة ولاية تيرس زمور اليوم كلمتها الفاصلة، فأنصفت آمنة بنت بهيت بعد أيام من الترقب والانتظار، وأصدرت حكما تاريخيا يقضي بثبوت أحقية بنت بهيت في مجهرها طيلة الفترة التي سبقت منح الرخصة لخصومها، مع إلزامهم وشركتهم بدفع جميع العائدات التي حصلوا عليها من يوم استحواذهم على المجهر بغير حق إلى يوم صدور الرخصة.
بهذا الحكم الجريء، لم تنصف المحكمة امرأة واحدة فحسب، بل أنصفت العدالة في صورتها الأنقى، وأعادت الاعتبار لميزان الحق الذي كاد يختطف من بين أيدي البسطاء.
ومع أن هذا القرار يوقف الظلم فإنه أيضا يعيد ترتيب القيم في معادلة ظلت تميل لصالح النفوذ، ويشكل سندا قانونيا قويا للطعن المرفوع أمام المحكمة العليا ضد الرخصة التي منحت لاحقا لخصومها.
لقد كان هذا اليوم يوما فارقا في سجل القضاء المحلي، إذ أظهر أن في تيرس زمور قضاة يكتبون التاريخ لا بأحكامهم فقط، بل بضمائرهم. فقد واجهوا الضغوط، وقرأوا أوراق القضية كما تقرأ الوجوه الصادقة لا كما تقرأ المصالح، ليقولوا للعالم إن الحق، وإن تأخر، لا يموت.
آمنة بنت بهيت، تلك المرأة التي خرجت من غيبوبة الجسد لتخوض معركة الكرامة، لم تطلب امتيازا ولا صدقة، بل طلبت أن يعاد إليها ما سلب منها جهدا وعرقا وصبرا. وفي لحظة النطق بالحكم، كانت العدالة تقف على ساق واحدة كما وقفت آمنة نفسها يوما، مائلة بالجسد، شامخة بالروح. انتصرت للحق وحده، وفتحت الباب أمام كل من أنهكته الطريق الطويلة نحو الإنصاف.
هذا الحكم الذي صدر اليوم سيكون سلاحا قانونيا ومعنويا في الطعن المعروض أمام المحكمة العليا، لأنه يرسخ بوضوح أن أحقية المجهر كانت لآمنة بنت بهيت قبل منح أي رخصة لاحقة، وأن خصومها استفادوا من مورد لا يملكونه، ولا يستحقونه. ولأن في هذه البلاد من لا يزال يؤمن بأن العدالة ضميرا حيا، فقد أثبتت محكمة ولاية تيرس زمور أن القضاء يمكن أن يكون إنسانيا دون أن يتنازل عن هيبته، قويا دون أن يستبد، صارما دون أن يظلم.
لقد استعادت آمنة اليوم مجهرها، لكنها في الحقيقة استعادت كرامة العدالة ذاتها. وانتصر القضاء لقصة بدأت بخيمة إغاثة في صحراء تنومر، وانتهت بخيمة عدل في ازويرات، بين الرمل والنص، بين الإنسان والمؤسسة. في هذا اليوم، لم تنتصر امرأة على خصومها، بل انتصر الضمير على اللامبالاة، والعدالة على التواطئ، والأمل على الخذلان.
ستعود آمنة إلى ميدانها، وربما إلى خيمتها القديمة، تضع على مدخلها لافتة من قلبها تقول فيها :
"الحق، وإن غاب، يعود. والكرامة، وإن انكسرت، تقوم."
سيد أحمد ولد بوبكر سيره
.gif)
(2).gif)


.gif)
