
عندما تحوّلت الخبرة إلى سلاح تفاوضي: لجنة الإنقاذ تُعيد رسم مشهد المناجم
في لحظة حاسمة من مسار نضال المنقبين، برز دور لجنة إنقاذ التعدين الأهلي كفاعل أساسي انضم مبكرا إلى اعتصام المنقبين أمام وكالة معادن موريتانيا، مستثمرة رصيدها من التجربة والحنكة والقدرة على المناورة، فسرعان ما تحولت مشاركتها من إسناد تضامني إلى عنصر فعّال في توجيه بوصلة التفاوض.
وكان قرار منقبي الشامي التظاهر في نواكشوط والاعتصام احتجاجا على ضم منطقة التماية إلى مجال التعدين شبه الصناعي، رغم كونها مشمولة في الحيز الجغرافي الذي منحهم إياه رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، قد شكّل شرارة الغضب. ومع اتساع دائرة الامتعاض، دفع منقبو ازويرات بوفد يقوده رئيس لجنة إنقاذ التعدين الأهلي السيد صالح ولد اسويدات، الذي كانت قبل سنوات اختارته نقابات التعدين الأهلي لقيادة اللجنة، نظرا لكونه أحد أعمدة القطاع، وأكثرهم دهاء في إدارة الأزمات، وأشدهم رباطة جأش عند اشتداد المحن، فضلا عن تمتّعه بقدرة قوية على الخطابة، ومهارة لافتة في أساليب الإقناع تجعل صوته مسموعا وحجته حاضرة في لحظات الحسم.
وفور وصولهم إلى العاصمة، شارك الوفد في الاعتصام الصباحي أمام الوكالة، ليتلقى لاحقا دعوة عاجلة من وزير المعادن والصناعة لاجتماع طارئ خُصّصت فقرته الأولى لموضوع رخصة التماية. وكان حضور وفد ازويرات حاسما، ليس فقط بالدعم المعنوي، بل بالمنطق الصارم والحجة المدعومة بالتجربة، مما عزز موقف المنقبين ودفع الوزير إلى الاعتراف بوقوع خطأ، مرجحا أنه اعتمد على معلومات غير دقيقة، ومؤكدا استعداده لتصحيح الوضع، مع الالتزام بما منحه رئيس الجمهورية واعتباره لا رجعة فيه.
وفي خطوة استشرافية تكشف عن نضج التجربة، طرح رئيس لجنة إنقاذ التعدين الأهلي سؤالا دقيقا عندما كان المنقبون يظنون أن الأزمة قد انتهت: "هل يمكن اعتبار هذا التعهد إلغاء للمقرر الحالي وعودة للمقرر السابق؟" فكان جواب الوزير أن الأمر لا يمكن تأكيده قبل زيارة ميدانية للمقالع، داعيا في الوقت ذاته إلى فك الاعتصام.
لكن هنا تدخلت التجربة. فقد رفضت لجنة إنقاذ التعدين الأهلي هذا الطلب، مستحضرة تاريخا من التعهدات غير المنجزة في تيرس زمور، حيث منحت مناطق في امجيحدات للنافذين، ووعد المنقبون بإلغائها، بل وحصلوا على أحكام قضائية لصالحهم، ومع ذلك ظل النافذون يعاودون المضايقة عند أول فرصة.
أكدت اللجنة أن الثقة لا تعني التنازل عن ورقة الضغط، وأن الاعتصام لن يفك إلا حين يلمس المنقبون نتائج ملموسة.
وختامًا، تم الاتفاق على تشكيل لجنة من المنقبين لمرافقة الوزير في زيارة ميدانية للمناطق موضوع النزاع، على أن ينظر في فض الاعتصام بمجرد التوصل إلى حل مُرضٍ، في مشهد يعكس نضج الحركة المنقبة، واستفادة نواتها الصلبة، لجنة الإنقاذ، من دروس الماضي، لتصبح بوصلة الميدان حين تختلط الأوراق.