على ذكر انقلاب النيجر..

أربعاء, 2023/07/26 - 8:06م

خبير انقلابات ! !
لم أكد أجلس في المكتب، حتى بدأت "قطع غيار" انقلاب تتوالى أمام عيني قادمة من الأردن.
وقبل أيام فقط، وصلت العمل فجرا، ومعي وصل خبر عاجل، عن "تحرك عسكري" في النيجر، كأني حملته معي في جيبي، وألقيته بين محررين يغالبون النعاس، ويكاد يهزمهم.
وقبل أشهر فقط في أغسطس 2020 ، حين أطاح الجيش المالي بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، كان ذلك أمام عيني، وأنا أتهيأ لاجتماع التحرير !
وقبل نحو عامين، حين وضعت قدمي في غرفة  الأخبار، في ذلك الصباح المعتدل من شهر إبريل عام 2019 ، كان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، يعلن النهاية السياسية لرئيسه لثلاثة عقود عمر البشير.
أما انقلابات أمادو سانوقو في مالي، وداديس كامارا وصحبه في غينيا ووصول "زميلنا" أندري رجولينا إلى السلطة في مدغشقر، فكلها وقعت "على يدي"، ولا داعي للحديث عن ثورات البلاط الخفيفة في هذه الدائرة أو تلك من دوائر الحكم الصغيرة في قارتنا الإفريقية !
هل هي مجرد مصادفات؟ !
أم هي صلة تشكلت بيني وبين الانقلابات، فباتت تترصدني، ولا تأتي إلا معي، وأنا الذي بات بإمكاني أن أضيف لسيرتي الذاتية الفقيرة، بكل وثوقية، صفة خبير في الانقلابات، بل دعني أقول صديق الانقلابات.
لسبب ما حاولت تجاهل الأخبار المتتالية الواردة اليوم من الأردن، فهذا البلد، ظل بعيدا عن الانقلابات الكلاسيكية، التي عرفتها عدد من بلدان العالم الثالث على مدى العقود الماضية، وبالتالي فقرون استشعار الانقلابات الموجودة بداخلي، لم تتفاعل مع الخبر من هذه الزاوية.
أما قبل أيام فحين طالعتني أنباء عن "انقلاب يجري حاليا" في النيجر فقد كان خبر الانقلاب هذه المرة قادما من مأتاه، من إفريقيا، والشيء من مأتاه لا يستغرب.
ولم يلبث أن استنفر خبرات "ابن بلد الانقلابات" الكامن في داخلي، فاستجمعت طاقاتي، وأشهرت حدسي، وحسمت الأمر، دون تفكير طويل، وقلت دون تردد: 
- هذا الانقلاب فاشل.. !
لفتت خلاصتي القاطعة والواثقة، انتباه زميل يُعد نشرة موجهة للقارة الإفريقية، غير بعيد مني، وهو في حيرة من أمره، هل يكتفي بالخبر الغامض الوارد عبر الوكالات، أم يوقظ مراسلا كسولا، يحك ذقنه ببلاهة، خوفا وطمعا في أحد أحياء نيامي المقفرة ! !
ولم تمض ساعة واحدة حتى جاء الخبر اليقين، فقد أُعلن فشل الانقلاب جملة وتفصيلا.
جذبني الزميل من معصمي بلطف، وقد بات الخبر واضحا، وهو يبتسم، وقال لي:
- قل لي كيف عرفت أن الانقلاب فاشل..؟
فرددت دون فلسفة:
- الانقلاب يحتاج عنصر المباغتة، وحين تتمطط أخباره قبل نجاحه، فهو يفقد هذا العنصر الحيوي، وتضعف شحنة المفاجأة بداخله، ويختفي عامل الوقع السريع، فينقلب السحر على الساحر..
كنت في ذلك الصباح، خبير انقلابات حقيقي، يضع ملامح وحدود "فنه" الذي تخصص فيه !
وتذكرت قبل سنوات، حين كنت وأحد الزملاء، نتهجى اسم ضابط حمله انقلاب إلى الواجهة مع رفاق الجنية في أحد البلدان الإفريقية، وكان اسمه نشازا بين رفاقه، بدا أوروبيا، دعني أقول يتمتع برنة إيطالية غريبة ! !
ومع تتالي الرتب على مسامعنا في تلك الأيام، صار كل منا، ينادي الآخر بصفة عسكرية مستوحاة من تلك المرحلة !..
وما زال إلى اليوم، حين يراسلني، يبدأ خطابه بــ"مون كولونيل" على طريقة العسكر..
ربما هذه الرتبة المتخيلة، هي ما يجعلني دائما على موعد مع الانقلابات.

تدوينة للكاتب الصحفي محمد ولد حمدو